
الرياض، 17 نوفمبر 2025 – يشهد السوق العقاري في المملكة العربية السعودية تحولات ملحوظة خلال عام 2025، حيث يعكس التوازن بين التصحيح الطبيعي للأسعار والنمو المدعوم برؤية 2030. بعد سنوات من الانتعاش السريع، يدخل السوق مرحلة إعادة توازن، مع تباطؤ في التضخم العقاري وتراجع طفيف في بعض المؤشرات، لكنه يظل مدعومًا بمشاريع حكومية كبرى واستثمارات أجنبية متزايدة. في هذا المقال، نستعرض الوضع الحالي، العوامل المؤثرة، والتوقعات المستقبلية بناءً على أحدث التقارير والإحصاءات.
تباطؤ التضخم وتصحيح الأسعار: إشارات الاستقرار
وفقًا لبيانات الهيئة العامة للإحصاء، تباطأ التضخم العقاري في السعودية إلى 1.3% خلال الربع الثالث من عام 2025، مقارنة بـ3.2% في الفترة نفسها من العام السابق. هذا التباطؤ يعود أساسًا إلى تراجع أسعار المنازل السكنية بنسبة 1.1% على أساس ربع سنوي، مما يعكس عمليات تصحيح طبيعية بعد الارتفاعات السابقة. على الصعيد الأوسع، سجلت الصفقات العقارية تراجعًا بنسبة 17% خلال الأشهر التسعة الأولى من 2025، مدفوعًا بقرارات تنظيمية حكومية تهدف إلى منع الفقاعات السعرية وتعزيز الشفافية.
رغم ذلك، يظل حجم السوق قويًا؛ فقد تجاوزت قيمة الصفقات 44 مليار دولار أمريكي في النصف الأول من العام، مع انخفاض طفيف في السعر المتوسط للمتر المربع. هذا التصحيح ليس إشارة إلى ركود، بل خطوة نحو استدامة أكبر، خاصة في ظل زيادة العرض السكني الذي يتجاوز الطلب في بعض المناطق. ومع ذلك، يشير تقرير “Knight Frank Saudi Report 2025” إلى أن سوق الإسكان “مُشحون بالطاقة” بفضل رؤية 2030، التي أدخلت ملايين الوحدات السكنية الجديدة.
العوامل الدافعة: رؤية 2030 والمشاريع التحويلية
يُعد برنامج رؤية 2030 الركيزة الأساسية للنمو العقاري، حيث يدفع مشاريع عملاقة مثل “نيوم”، “القدية”، و”البحر الأحمر” إلى زيادة الطلب على الأراضي التجارية والسياحية. وفقًا لتقرير “Saudi Arabia Real Estate Market Outlook to 2025”، يُتوقع أن يصل حجم السوق إلى 111.77 مليار دولار بحلول نهاية العام، مدعومًا بتنويع الاقتصاد بعيدًا عن النفط. كما أن الإصلاحات التنظيمية، مثل تسهيل الملكية للأجانب وإطلاق برنامج “سكني”، ساهمت في جذب استثمارات أجنبية بلغت مليارات الريالات.
في الأسابيع الأخيرة، أعلنت شركة “دار الماجد العقارية” عن اتفاقية استثمار بقيمة تقديرية تصل إلى مليار ريال لتطوير مشروع متعدد الاستخدامات في الرياض، يشمل أكثر من 350 وحدة سكنية ومساحات تجارية تزيد عن 20 ألف متر مربع. هذه الصفقات تعكس الثقة المستمرة في السوق، حيث يُتوقع أن يصل العائد على الاستثمار في مثل هذه المشاريع إلى مستويات مرتفعة بفضل الموقع الاستراتيجي والحوافز الحكومية.
المناطق البارزة: المدينة المنورة تتفوق على الرياض
تختلف ديناميكيات السوق بين المدن؛ ففي المدينة المنورة، شهدت قيمة المعاملات السكنية ارتفاعًا بنسبة 49% مقارنة بالعام السابق، متجاوزة الرياض وجدة، بفضل الطلب السياحي والديني. أما الرياض، فهي لا تزال المركز الرئيسي للاستثمارات التجارية، مع نمو في القطاعات الإدارية والمكتبية يعوض التباطؤ السكني. في جدة، يركز السوق على المشاريع الساحلية، مدعومة بمشاريع مثل “حي الخليج”.
أما في المناطق النامية مثل الدمام والخبر، فيشهدون نموًا في العقارات الصناعية بسبب الاستثمارات في الطاقة المتجددة. وفقًا لتقرير “Savills Saudi Arabia” لنوفمبر 2025، يُتوقع أن يصل معدل الشغور في المكاتب إلى أدنى مستوياته، مما يعزز الثقة في القطاع غير السكني.
التوقعات المستقبلية: نمو متوازن مع تحديات
مع اقتراب نهاية 2025، يتوقع الخبراء نموًا بنسبة 5-7% في حجم السوق لعام 2026، مع تركيز على الاستدامة البيئية والتكنولوجيا الذكية في المشاريع الجديدة. ومع ذلك، تواجه السوق تحديات مثل ارتفاع تكاليف البناء وزيادة الفائدة على القروض، مما قد يبطئ بعض الصفقات. على الجانب الإيجابي، تُشير التقارير إلى أن السوق يسير نحو “إعادة توازن”، حيث يتراجع القطاع السكني قليلاً مقابل انتعاش القطاعات التجارية والسياحية.
في الختام، يُعد السوق العقاري السعودي في نوفمبر 2025 مثالاً على التوازن بين التصحيح والنمو، مدعومًا برؤية طموحة تحول المملكة إلى مركز استثماري إقليمي. للمستثمرين، الفرص كبيرة في المشاريع الحكومية والمناطق الناشئة، لكن التركيز يجب أن يكون على الاستدامة طويلة الأمد. مع استمرار الإصلاحات، يبدو أن العقار السعودي سيظل رهانًا آمنًا للمستقبل.