
في خطوة تعكس عمق الشراكة التاريخية بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، غادر الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء السعودي، الرياض يوم الاثنين 17 نوفمبر 2025، متوجهاً إلى واشنطن في زيارة عمل رسمية. هذه الزيارة، التي تأتي استجابة لدعوة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تمثل أولى الزيارات الرسمية الكبرى له في ولاية ترامب الثانية، وهي الأولى للأمير محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة منذ سبع سنوات، تحديداً منذ عام 2018. وفي ظل التحولات الجيوسياسية السريعة في الشرق الأوسط والعالم، تُعد هذه الزيارة فرصة لإعادة تشكيل العلاقات الثنائية، مع التركيز على الاقتصاد، الأمن، والاستقرار الإقليمي.
السياق التاريخي والأهمية الاستراتيجية
تعود العلاقات السعودية الأمريكية إلى عقود طويلة، مبنية على مصالح مشتركة في مجالي الطاقة والأمن. ومع ذلك، شهدت هذه العلاقات توترات في السنوات الأخيرة، خاصة بعد مقتل الصحفي جمال خاشقجي عام 2018، الذي أدى إلى غضب دولي وتعليق بعض الزيارات الرسمية. خلال ولاية الرئيس جو بايدن، أصبحت السعودية “دولة منبوذة” جزئياً بسبب مخاوف حقوق الإنسان، لكن الضرورات الاقتصادية والأمنية، مثل الحاجة إلى زيادة إنتاج النفط أثناء الحرب الروسية-الأوكرانية، أدت إلى تليين المواقف.
مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض في يناير 2025، تغير المشهد. زار ترامب الرياض في مايو 2025، في أولى وجهاته الخارجية، حيث تلقى استقبالاً حافلاً وأسفرت الزيارة عن تعهدات استثمارية سعودية بقيمة 600 مليار دولار في الاقتصاد الأمريكي. هذه الزيارة المتبادلة اليوم، التي تستمر ثلاثة أيام، تعيد إحياء “الصداقة الشخصية” بين الزعيمين، كما وصفها ترامب نفسه، وتأتي في توقيت حاسم وسط التوترات الإقليمية، بما في ذلك الحرب في غزة والتوترات مع إيران.
تفاصيل الزيارة: برنامج حافل باللقاءات والفعاليات
وصل الأمير محمد بن سلمان إلى واشنطن مساء الثلاثاء 18 نوفمبر، حيث بدأ البرنامج الرسمي بمراسم استقبال فخمة في الحديقة الجنوبية للبيت الأبيض، تلتها احتفالات في الرواق الجنوبي مع فرق موسيقية عسكرية. عقد الزعيمان لقاءً ثنائياً في المكتب البيضاوي الساعة 11:45 صباحاً، تلاه غداء في غرفة مجلس الوزراء الساعة 12:15، وانتهى اليوم بعشاء رسمي في الغرفة الشرقية، ينسقه السيدة الأولى ميلانيا ترامب. شارك في الدعوات رؤساء تنفيذيون من شركات عملاقة مثل “شيفرون”، “جوجل”، و”أرامكو”، بالإضافة إلى مشرعين وحكام ولايات.
في اليوم الثاني، 19 نوفمبر، يشارك الأمير محمد بن سلمان في النسخة الثانية من منتدى الاستثمار السعودي الأمريكي في مركز جون إف. كينيدي للفنون الأدائية، بحضور نحو 400 مسؤول تنفيذي. هذا المنتدى، الذي عقد أولاً في الرياض في مايو، يركز على الشراكات في مجالات الطاقة المتجددة، التكنولوجيا، والدفاع. وفي تصريح له، أكد الأمير أن “أفق التعاون الاقتصادي بين البلدين أصبح أكبر وأعمق في العديد من المجالات”، مشيراً إلى استثمارات في الحوسبة، الرقائق، وأشباه الموصلات.
المواضيع الرئيسية: من الاقتصاد إلى السلام الإقليمي
غطت المباحثات ملفات حيوية، بدءاً من الاقتصاد حيث يهدف الجانبان إلى رفع الاستثمارات إلى تريليون دولار، مع التركيز على تنويع الاقتصاد السعودي بعيداً عن النفط عبر رؤية 2030. في مجال الدفاع، نوقشت صفقات أسلحة متقدمة، بما في ذلك اتفاقيات إبراهيمية موسعة، لتعزيز الأمن الإقليمي.
أما القضايا الإقليمية، فقد برزت قضية غزة كأولوية سعودية. طرح الأمير محمد بن سلمان ملف إعادة إعمار غزة، مشدداً على ضرورة حل الدولتين وتطبيق المبادرة العربية للسلام، كشرط لأي تطبيع مع إسرائيل. علق ترامب على ذلك بأن اللقاء “ناجح”، مشكراً السعودية على دعمها للاستقرار، لكنه حث على تسريع التطبيع، رغم تعليق الخطوات الأولية بعد هجوم 7 أكتوبر 2023.
في سياق أوسع، أكد مجلس الوزراء السعودي أن الزيارة تهدف إلى “تعزيز الشراكة الاستراتيجية في مختلف المجالات، والسعي لشرق أوسط يسوده الأمن والاستقرار”. ويُتوقع توقيع مذكرات تفاهم في الطاقة والتكنولوجيا، مما يعزز مكانة السعودية كقوة إقليمية، كما يرى المحلل الأمريكي أدولفو فرانكو.
التأثيرات المتوقعة: فوائد للسعودية والمنطقة
ستكسب السعودية من هذه الزيارة ضمانات أمنية ودعماً اقتصادياً، مما يدعم رؤية 2030 في مواجهة التحديات الإقليمية. أما المنطقة، فقد تشهد تقدماً في ملف السلام، خاصة إذا أدى التعاون إلى ضغط أمريكي على إسرائيل لقبول حل الدولتين. ومع ذلك، يظل التحدي في التوفيق بين المصالح الاقتصادية والقيم الإنسانية، حيث أعربت بعض الجهات الأمريكية عن مخاوف بشأن حقوق الإنسان.
في الختام، تمثل زيارة الأمير محمد بن سلمان نقطة تحول إيجابية، تعيد رسم خريطة الشراكة السعودية الأمريكية في عالم متغير. إنها ليست مجرد لقاء سياسي، بل استثمار في مستقبل مشترك يجمع بين القوة الاقتصادية والالتزام بالسلام. مع انتهاء الزيارة اليوم، يترقب العالم الإعلانات الرسمية التي قد تغير مجرى الأحداث في الشرق الأوسط.